بسم الله الرحمن الرحيم
الطفل، ذلك المخلوق صغير الحجم الذي نحاول جاهدين كأولياء امور ان نربيه بافضل السبل كي ينمو سوياً ويصبح فرداً منتجاً في مجتمعه، لذا فإننا نركز اليوم على جزئية مهمة في حياة اطفالنا، الا وهي النوم مع الوالدين في غرفة واحدة، قد يبدو الموضوع من الوهلة الاولى بسيطاً لا يستدعي تحقيقاً من صفحة كاملة، فكثير منا ولاسباب متعددة يفضل ان ينام اطفالهم معهم في الحجرة ذاتها حتى يبلغوا سن التمييز ثم بعد ذلك يوفرون لهم غرفهم الخاصة.
ولكن ما دفعنا للتركيز على مثل هذا الموضوع هو ما نسمعه دوماً من ان الاطفال يتمتعون بذكاء كبير حتى في المراحل الطفولية الاولى أي في عمر السنتين، كما انه من المعروف تماماً ان اغلب الاطفال قد يستيقظون في اية لحظة من نومهم وهنا تكمن الخطورة، فقد يستيقظ الطفل في اللحظة التي يمارس فيها ابواه شيئاً من علاقتهما الحميمة فيصاب بصدمة قد تستمر معه طوال العمر، لذا فقد تحدثنا إلى عدد من المختصين في المجال النفسي واستشارات الابناء وفتحنا معهم حواراً صريحاً حول مثل هذه المواقف وكيفية التصرف حيالها، ثم جمعنا كل الآراء في هذا التحقيق الذي نضعه تحت ايديكم رغبة منا في التوجيه والاسهام لما فيه الصالح العام.
بداية وقبل طرح الآراء المتخصصة نود ان نطلعكم على السبب الذي دفعنا لكتابة هذا التحقيق، حيث تحدثت الينا احدى الاخوات قائلة: لدي من الابناء ثلاثة اكبرهم يبلغ خمسة اعوام، ونظراً لاقامتي في منزل عائلة زوجتي فليس لدي سوى غرفة واحدة اتقاسمها مع ابنائي، وبالطبع فإن الوضع غير مريح البتة، ورغم ذلك فإنني احاول وزوجي جاهدين الا نمارس علاقتنا الطبيعية كزوجين الا بعد التأكد من استغراق الابناء في النوم.
ولكنني في احدى المرات وبينما كنت مع زوجي في وضع معين لم اشعر الا وابني البكر يقف امام السرير ويناديني لرغبته في الذهاب إلى دورة المياه، والحقيقة انني ارتبكت جداً وكذلك زوجي وحاولت جاهدة ان استر نفسي، ومنذ تلك اللحظة شعرنا انا وزوجي بتأنيب الضمير لعدم تأكدنا من نوم طفلنا وعدم شعورنا به، واصبحت تراودني العديد من الافكار حول ما رآه الصغير وتأثيره على نفسيته وشخصيته عندما يكبر..!!
انها قصة صغيرة الا اننا نعتقد ان العديد من الازواج قد يعانون منها، لذا فقد أخذنا على عاتقنا التوجه بهذا الموضوع الحساس إلى ذوي الاختصاص كي يزيحوا عن الاذهان الحيرة ويجيبوا عن اسئلتنا بما يعيد إلى النفوس هدوئها ورصانتها.
فطام نفسي
بداية بحثنا في الشبكة المعلوماتية حيث يقول الدكتور عمرو ابوخليل استشاري تربوي في موقعه: ان انفصال الطفل عن امه ونومه في مكان مستقل او غرفة منفصلة هو حدث وتطور طبيعي في حياة الطفل لابد وان يحدث اما عاجلاً او آجلاً، وهو يعتبر نوعاً من الفطام النفسي للطفل بعد فطامه من الرضاعة وهو احد الخطوات المهمة في بداية احساس الطفل بذاته واستقلاليته ككائن منفرد، وربما يسبقها التحكم في التبول والمشي كبدايات لهذا الاحساس.
ويأتي الفطام من الرضاعة كدرجة من درجات الاستقلال ثم الانفصال في مكان مستقل ليدشن هذا الامر ويؤكده، علماً بأن الاثر النفسي للفطام على الام يكون في بعض الاحيان اكثر من اثره على الطفل حيث تحب الام ارتباط طفلها بها واعتماده عليها، لذا فإن الامهات يجب ان يتنبهن لهذا الامر، لان تأثير هذه الخطوات المهمة في حياة الطفل تؤدي إلى تأخر نموه النفسي، ليصبح انساناً اعتمادياً لا يستطيع الاستقلال بنفسه، موضحاً ان المهم في امر فصل الطفل للنوم في مكان مستقل هو خطوات هذا الامر بحيث لا تكون مفاجئة وضاغطة وفيها نوع من الزجر او العنف في تنفيذها.
فهي قد تبدأ بنوم الطفل في سرير مستقل بنفس غرفة والديه، ثم يحدث ان ينتقل الطفل إلى غرفته في سريره المستقل، ولكن تظل والدته بجانبه حتى ينام ثم تترك الغرفة، وفي مرحلة تالية تحكي له قصة او حدوتة لتهيئته للنوم ثم تتركه وهو يستعد للنوم، وهكذا حتى يتعود الامر.
وتكون هذه الخطوات متدرجة وهادئة، وعلى مدى زمني قد يصل لعدة اشهر، ولو تم الامر بهذه الطريقة فإن الانفصال لن يؤثر على نفسية الطفل بصورة سلبية، بل العكس هو الصحيح، بالاضافة إلى الشعور بالذات والاستقلالية، فهي تشعر الطفل بانتمائمه إلى غرفته بحيث تصبح عالمه الخاص الذي يلعب فيه ويتحرك بعيداً ثم يعود اليه، والذي بالتالي يمتلك فيه خصوصيته له، حيث تقول له اذهب إلى غرفتك.. افعل في غرفتك.. كل ذلك يجعل له خصوصيته تعطيه مشاعر الثقة ويصبح له حدوده الخاصة به.
الحذر والاحباط
عقب ذلك التقينا محمد الحمادي.. اختصاصي نفسي.. حيث يقول من المعروف ان ادراك الافعال من عمر السنتين وحتى خمسة اعوام يكون في اوجه لذا فمن الضروري ان نبدأ باخراج الطفل من غرفة نوم والديه منذ تلك المرحلة بل ويفضل ان يتم ذلك بالتدريج قبل هذا العمر، وذلك تلافياً وتحاشياً من ان يقع بصره على بعض الخصوصيات الزوجية التي لا يدركها الطفل ـ بطبيعة الحال ـ في ذلك العمر لانها تكون امور فوق قدراته العقلية.
بل وقد تسبب له صدمة نفسية من الممكن ان تلازمه حتى يكبر، فللاسف الشديد ان هناك العديد من اولياء الامور يكادون لا يحتاطون لمسألة ان الطفل معهم في الغرفة ذاتها فنراهم يمارسون الامور العادية التي تقع عادة بين الازواج دون توخي ادنى درجات الحذر وهذا كما اسلفنا خطأ كبير جداً. ولمزيد من التوضيح يقول الحمادي ان اخراج الطفل من غرفة النوم في اللحظات الحميمة امر ضروري حماية له من رؤية ما لا نقبل كأولياء امور ان يراه.
وفي مثال بسيط يمكنني القول ان اي اب او ام لابد وان يمنعا طفلهما من رؤية مشهد غير لائق من التلفاز، فكيف بهما والحال كذلك ان يسمحا للصغير برؤيتهما ـ وهما قدوته في الحياة ـ في مثل تلك الاوضاع، وهنا لابد وان نأتي على ذكر ان تتوافق تعليماتنا وتوجيهاتنا كآباء وامهات مع ما نقوم به من اعمال، فمن غير المنطقي ان نطلب من الطفل عدم مشاهدة بعض الافلام لان فيها اموراً خارج حدود الادب ويرفضها الدين في الوقت نفسه ثم يتفاجأ بأن والده ووالدته يقومان بنفس تلك التصرفات، فمثل هذه الامور قد لا تظهر اعراضها في نفس اللحظة بل سيحتفظ بها الطفل في داخله لفترة معينة ثم تظهر على شكل سلوكيات غير سوية مستقبلاً.
ويضيف: لا شك ان الطفل بحاجة إلى الدفء والعاطفة وقد يتصور الآباء وان نوم الطفل معهم في الغرفة ذاتها انما هو تعبير عن احترامهم لاحتياجاتهم تلك، ولكن هذا الامر غير صحيح، فالاسلام امر الآباء بالتفريق بين الاشقاء ذكوراً واناثاً منذ سن العاشرة التي تعتبر سن التمييز، ومما لا شك فيه ايضاً ان المسألة تحتاج إلى تعويد منذ مراحل عمرية مبكرة، فكيف بمن ينام في غرفة واحدة مع والديه او من ينام بينهما؟! فلمثل ذلك آثار سلبية على الطفل ولابد من تعويدهم النوم بمفردهم او مع اخوتهم.
والامر ليس بالهين طبعاً بل يحتاج إلى فترة زمنية قد تطول او تقصر، وكذلك لابد من تعويد الطفل آداب الاستئذان عند الدخول إلى غرفة الوالدين وبخاصة في اوقات النوم، لاننا بهذه الطريقة نجنبه ونجنب انفسنا اعراضاً نفسية كان من الممكن تجنبها بقليل من الحذر والاحتياط.
معتقدات وحقائق
وبعد ذلك حاورنا الدكتور حسين علي اخصائي نفسي اكلينكي ورئيس وحدة الصحة النفسية والخدمة الاجتماعية بمستشفى راشد والذي شرح لنا تفصيلياً سلبيات نوم الطفل مع والديه حيث يقول: يعتقد الكثيرون ان نوم الطفل مع والديه في الغرفة ذاتها بل السرير نفسه يعطيه احساساً بالامان والطمأنينة وسرعة في استجابة الام مع اطفالها، وهذا اعتقاد خاطيء، وللتوضيح اقول ان الطفل لابد وان تكون له مخاوف معينة من الظلام مثلاً .
وبالتالي فإن تعويده النوم بجوار والديه لن يعطيه الفرصة الكافية في التغلب على المخاوف التي تراوده بل على العكس حيث ان وجود الوالدين بشكل مستمر معه وخاصة وقت النوم يجعل منه شخصاً اتكالياً خاصة في مراحل عمرية متقدمة قليلاً، لذا فاتاحة الفرصة امام الطفل كي ينام منفرداً منذ اشهره الاولى وحتى منذ اللحظة الاولى التي تغادر فيها الام المستشفى فيها من الايجابيات الشيء الكثير مما قد يجهله العديد من اولياء الامور.
وفي المقابل فإن الضرر من التعود على وجود الوالدين كبير وخاصة وجود الام بشكل مستمر بجوار الصغير لانه وبمجرد اضطرار الام على الابتعاد عن الصغير ولو لفترة معينة بعد ان يكون قد تعود قربها، بسبب ما نطلق عليه اضطراب البعد عن الام، وقد تقول بعض الامهات انه يصعب عليهن ترك الطفل ان ينام منفرداً في مرحلة مبكرة جداً من عمره، بحجة ان مشاعر الامومة تحول دون ذلك، ولمثل هؤلاء نقول ان عليهن التغلب على تلك المشاعر رغبة في مصلحة الطفل .
واملاً في نموه نمواً سوياً من جميع النواحي وخاصة من الناحية النفسية، موضحاً ان التطور الطبيعي للطفل يلزمه الانفصال عن امه منذ وقت مبكر حتى لا يشعر بأنه وامه كيان واحد، بل عليه ان يدرك ان الام كيان منفصل عنه وهذا ما يبعد عن نفسه الخوف والانزعاج، وهكذا نرى ان هناك العديد من المعتقدات التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة على الآباء والامهات ادراكها جيداً. وحول مدى خطورة ان يرى الطفل اي جزء من العلاقة الطبيعية بين الزوجين يؤكد الاختصاصي النفسي: